في احتفالية علمية راقية، عاش الحضور بقاعة المحاضرات التابعة لكلية علوم الطبيعة و الحياة صباح اليوم رحلة علمية أقل ما يقال عنها أنها أكثر من شيقة أبدع فيها ضيفنا أحمد جبار بالاداء البيداغوجي و الأسلوب الفني المميز بمهارة العرض في محاضرة حول "الرياضيات في خدمة اللغة العربية: مثال الممارسات التوافقية في دار الإسلام" ضمن فعاليات الندوات الفكرية والعلمية التي تنظمها الجامعة احتفاءً بالذكرى الخمسين لتأسيسها.

انطلقت المحاضرة بمثابة رحلة عبر التاريخ، قادها ببراعة الأستاذ جبار صاحب السيرة الذاتية الغنية، حاملًا معه عبق المعرفة من محطات علمية مضيئة.

لمن يود التعرف على ضيفنا في عجالة هو الباحث الجزائري المتحصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة باريس الجنوب عام 1972، وشهادة الدكتوراه في تاريخ الرياضيات العربية في الأندلس والمغرب الكبير من جامعة نانت عام 1990، عاش حياته للبحث و التدريس و التكوين و التأليف في موضوعات هادفة، فضلاً عن محاضراته في عموم دول أوربا و غيرها، و ظهوره المميز في المؤتمرات والندوات الدولية منذ عقود، و الحصص العلمية الراقية في تلفزيونات عربية و أجنبية ، كما تقلد منصب وزير للتعليم، و حاز على جائزة وسام العالم الجزائري و جوائز أخرى و حضوره في عديد الهيئات العلمية الوطنية و العالمية، لكن لن تلاحظ فيه سوى ابتسامة و لطافة العالم العارف المتواضع.

نسج الأستاذ جبار خيوط محاضرته بِإبداعٍ، كاشفًا النقاب عن العلاقة الوثيقة التي ربطتْ بين الرياضيات واللغة العربية عبر العصور، وسافر بنا عبر الزمن إلى عصر الحضارة الإسلامية المشرقة، ليُبْصِرَ على الدور المحوري الذي لعبته الممارسات التوافقية في خدمة اللغة العربية.

كما تَفَنّنَ في شرحه، بأمثلة ملموسة من مجالات النحو والصرف والبلاغة، بهدف تبيان كيف وظّف علماء المسلمين الأوائل الرياضيات بِإبداعٍ لخدمة لغتهم العربية الجميلة و العظيمة، وأَثْبَتَ بالدليل العلمي كيف ساهمتْ تلك الممارسات التوافقية في تطوير اللغة العربية وإثرائها، ممّا جعلها لغةً غنيةً بِمُفرداتها وقواعدها.

لم تقتصر محاضرة الأستاذ جبار على الجانب التاريخي فقط، بل امتدّت لتلقي الضوء على إسهامات الحضارة الإسلامية المشرقة في مجال الرياضيات وتأثيرها البالغ على اللغة العربية، كما أكّد على أهمية العلاقة التكاملية بين الرياضيات واللغة العربية، وكيف يُمكن الاستفادة من الرياضيات لفهم اللغة العربية بشكلٍ أفضل.

بالمحصلة شكّلت محاضرة البروفيسور أحمد جبار رحلة علمية ثرية، أَثْرَتْ مَعَارِفَ الحاضرين وكشفتْ لهم عن آفاقٍ جديدة في العلاقة بين الرياضيات واللغة العربية.

كل الشكر و الثناء تتوجه به الأسرة الجامعية بتلمسان لأستاذ الأجيال، على هذه المحاضرة القيّمة، ونأمل أن نستمرّ في الاستفادة من خبراته الغنية وإسهاماته العلمية الجليلة في المستقبل.